وجهات نظر

الناقد أحمد فرحات يكتب: شارع الأعشى

الناقد أحمد فرحات

تابعت الدراما المصرية في شهر رمضان، كما تابعت بعضها في الدول العربية، وكان مسلسل شارع الأعشى الأكثر جدلا في الأوساط العربية، كتبت بدرية البشر رواية غراميات شارع الأعشى عام 2012م، لتعبر عن عمق الحارة النجدية وتعبر عن الجوهر الإنساني الذي يتعرض للاختطاف والإرهاب بسبب فئة لا تمثل المجتمع، وهنا يصبح الجوهر بعيدا عن السطح، وما يظهر على السطح هو تلك المشاكسات والتطرف حتى ليظن المجتمع أنها تمثله، وهذا غير صحيح..

تعالج البشر القضايا ذاتها من خلال مقارنة بين بنات القرى والهجر وبنات المدن، حيث تنتقي الروائية شخصيتين من العنصر النسائي في كلا المكانين، أم متعب التي تمثل الصحراء والقرى والهجر، وعزيزة التي تمثل المدن والتحضر. ومن خلال موازنة بين لشخصيتين يتضح سطوة الحصار المفروض على المرأة، ودخولها في استعراض حوار ونقاش حاد مع الجهة الدينية ممثلة في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. مجسدة ذلك في نقاشات وحوارات سردية مثيرة ومشوقة.

يكتسب المكان(الحارة النجدية) في المسلسل قيمته الفنية والموضوعية باعتباره وعاء للزمان، حيث يسعى الإنسان من خلالهما ووفق مجموعة من العوامل التي تشكل محيطه النفسي تحقيق شعوره بالتواجد والكيان الفردي الاجتماعي، ويكون المكان نفسه سببلا لنفور الإنسان إذا ما وجد ضيقا في نفسه، وأحس بالرعب فيه، فيبدأ في استشكاف النفس قبل الجسد، وتكمن أهمية المكان وجمالياته في رواية غراميات شارع الأعشى في وصف الشوارع والطرق سواء في البادية أو في المدينة. حتى إنك تشعر بقيمة المكان في وصف البشر لتفاصيل التفاصيل الخاصة بالمكان.  

والزمان أيضا في العمل السردي عند بدرية البشر يرجع إلى ستينيات القرن المنصرم، وسبعينياته أيضا وفي هذه الحقبة من تاريخ المملكة ظهر تياران يتصارعان بقوة، تيار يميل إلى العنف الجسدي بالتعذيب والقتل والإرهاب، وتيار يميل إلى العنف المعنوي إذا جاز التعبير ومنه قضايا المرأة وما تشتمل عليه من معاناة وقهر وغبن لحقوقها. فجاءت رويات البشر دالة على موضوعات الحقبة الزمنية التي وجدت فيها، وبلا شك كان لها تأثير قوي على المجتمع آنذاك.

“أمسك ضاري بشعر مزنة من الخلف، ثم دفعها نحو الأرض فسقطت، أطبق ضاري بيديه على عنق مزنة وراح يضغط  عليها صائحا:

يا بنت الكلب والله لأقتلك!

احتاج ضاري إلى سلاح ليقتلها، فركض إلى المطبخ وعاد يحمل سكينا، شاهده متعب فوقف في وجهه ثم قبض على ذراعة، وشدها فوق رأسه ثم أسنده إلى الجدار بعنف وسحب السكين من يده قائلا:

أنت مهبول؟

قالت مزنة:

ليش تقتلني، وش سويت؟ تزوجت على سنة الله ورسوله. ”

   هذا الحوار من الرواية ، وبتأمل مفرداته نجد أنها تحتوي على أقسى درجات العنف كالقتل والسكين والخنق والضرب والسب .. وكلها تدل على العنف الجسدي للمرأة.

ففي سرد الكاتبة نلحظ نبرة الشعر عالية، ولاسيما عندما تفضي الشخصية بضمير المتكلم الكاشف عن مكنون النفس وهو من النادر في الرواية ولم تعتمد عليه بشكل عام. وتتضح اللغة الشعرية في قولها:  

تقول عزيزة متأملة واقعها الفقير: “أفتح نافذتي على الأرض الخالية جوارنا، وأضواء الشارع البعيد الشاحبة تلمع في غبش التراب فتغبّش الدنيا كلها في وجهي، فيزداد شعوري بأنني رهينة المكان. كأن العالم كله رحل وبقيت أنا وحدي، لا أحد معي، ولكنني رغم الفراغ والوحدة لا أستطيع الخروج من هنا. في الظلام لا يمشي أحد في الحي ولا تقاطع السكون أي ضوضاء. تمنيتُ لو أمدّ يدي ناحية باب المنزل وأخرج، لأول مرة أتحسس حدودي فأكتشف أنها ضيقة جدا.أنظر إلى سور بيتنا المرتفع من الطابق الأول فأشعر أني وسط بئر بجدران مرتفعة. لم لا أخرج ؟…

كنتُ في السابعة من عمري آخر مرة مشيت بلا غطاء. منذ ذلك اليوم لم أعد أرى العالم الخارجي إلا من خلف غلالة مسيّجة بالخيوط ورداء أسود، وحين أذهب إلى الجامعة وأركب مع السائق أترك عينيّ تخرجان من تحت لثام، لكن أنفي يظل محشوراً تحت الغطاء يحول بيني وبين أنفاس الطريق.لا بد أن يحجب شيء ما المسافة بيننا“.

وبناء عليه فإن البعد الفكري للشخصية يتجلى في العمل السردي في روايات بدرية البشري من خلال التفاصيل الدقيقة للشخصية، وأحيانا يكون من خلال تفاصيل التفاصيل، وقد تعمدت الكاتبة ذكر بعض السباب والشتائم التي تتعرض لها المرأة كنوع من أنوع العنف الذي يؤدي قد يؤدي إلى ما هو أبعد من الشعور بالضيقوالألم والقلق؛ فالعنف اللفظي نظرا لأنه متوطنبالمجتمعات قد يؤدي إلى اختلال التوازن بالعقل البشريمن جراء كثرة التعرض للإيذاء النفسي الناتج عنه،فالعنف اللفظي قد يصنع الجنون عند بعضالبشر،بمعنى أن العنف اللفظي هنا أصبح كأداة تحركعقل البشر ولكن بالسلب.

تلتقط بدرية البشر ظواهر اجتماعية مثيرة، كحالة التشدد التي بدأت كحلقة صغيرة، ثم اتسعت دائرتها لتطال الحرم، وتصل إلى درجة احتجاز الحجاج والمصلين فيه في حادثة شهيرة عام 1979 وقع ضحيتها المئات وأريقت فيها دماء كثيرة.

توظف الكاتبة هذه الحادثة للإشارة إلى خطورة الحالة التي بدأت بالتبشير للفكر المتطرف.

فما وجهه ضاري إلى أخته يقصد به أن العنف اللفظي كلام منطوق بطريقة همجية لا سلمية قصد إلحاق الضرر عند حدوث مشكلة ما يؤدي إلى إيقاع الأذى الجسمي أو النفسي أو كليهما بشخص أو بجماعة حيث يتخذ العنف اللفظي عدة أشكال كالسب الاستهزاء أو التحقير فيحدث الألم النفسي والمعنوي التي تؤثر سلبا على طريقة تفكير الشخصية وميلها إلى الاضطهاد و لاضطراب حتى تغدو شخصية غير سوية في المجتمع.

الناقد أحمد فرحات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى