الشاعر محمد الشربيني يكتب: ما أشْبَهَ الليلةَ..بالبارِحَةِ!!

الشاعر محمد الشربيني
أَجَلْ..ما أشبه الأشخاص بعضهم ببعض في الرداءة!!هذا كان مقصد الشاعر الجاهلي صغير السنِّ عبقريِّ الشعر”طَرَفَة بن العبد”؛إذْ استدرجه ملك الحيرة آنذاك”عمرو بن هند”مُظْهِراً العفو عنه، ومُرسِلاً به إلى عامله على “البحرين”للانتقام منه وقتْله بعدما أطلق”طرفة بن العبد”فيه لسانه،صار “طرفة” دون نصير بعد أن تخلّى عنه قومه،وبدتْ أيامُه ولياليه في السجن متشابهة،فكتب قصيدته التي أظنها الأخيرة في حياته، والتي جاء فيها قوله المشتهَر (كلُّهُمُ أروَغُ من ثَعْلَبٍ/ ما أشبهَ اللّيْلَة َبالبارحَةْ)،ويصير مثَلاً تسير به الركبان،ويجري على كل لسانٍ،دالّاً على رداءة الحاضر ومماثلته لرداءة الماضي أحداثاً وشخوصاً، وتبريراً لما سيكون من التخاذل مجاراة لما تقبَّلناه قَبْلُ!!
لم يكن ذلك ما أقصدُه حينما ابتدأتُ المقال،بل قصدتُ أن المشهد إنسانياً وعربيا يستدعي من جوهرة الوطن العربي سيدة الكلِّ “مصر”وقفةً ناصعةً يسجِّلها التاريخ مثلما سجَّل لها مواقفها الخالدة لحماية الإنسانية وكذلك محيطها العربي من كيْد الكائدين وعَبَثِ المغامرين!!
(هنا ينام متعباً..مَنْ أتعب الأيام والفصولْ/من عبرت خيوله فوق جبين الشمس والزمنْ/فما ونى ولاوهنْ/حتى ونت من تحته الخيولْ/واستسلمت لراحة الكفنْ/فآثر القفولْ/ونام موهن البدنْ…!/من أيقظ العيونْ/…هنا ينام متعب الجفونْ!!)
وتظل قصيدة”فوق ضريح عبد الناصر”للشاعر اليمنيِّ الكبير د.”عبد العزيز المُقالِح”شهادةَ حقٍّ واعترافٍ بدورِ”مصر”في زمنٍ عزَّ فيه المعترفون بفضل شقيقة العرب الكبرى،وكَثُرَ فيه الطاعنون الببغاوات عمَّا نال “مصر” من إسناد الثورات العربية الباحثة عن التحرُّر من الاستعمار والاستبداد، أجل…كانت أدواراً لا يمكن التخلِّي عن آدائها وهذه شهادةٌ من أهلها يؤديها أحد أكابر مثقفيهم رئيس جامعة “صنعاء” على قبر خالد الذكر”ناصر”في موقف المعترف بالفضل لرجلٍ لا يملك الآن سبيلاً للشكر أو العطاء…!!
وما أشبه الليلة بالبارحة..!! حينما تلفّتت الإنسانية باحثةً عن طوق نجاةٍ من جحافل التتار الذين اجتاحوا العالم مدمرين حارقين الدور والكتب، مستبيحين الدماء والأعراض لدرجة أن المسلمين ظنوهم قومَ “يأجوج ومأجوج” ولا قِبَلَ لهم بدفعهم،فباعوا دورهم وبساتينهم بأبخس الأثمان لاجئين إلى”مكة المكرمة والمدينة المنورة”إذْ وَرَدَ في الأثَر أنهم لا يدخلون هاتين المدينتين…عندها قالت”مصر” كلمتها.. فكانت”عين جالوت”
(بالأمس مرّ في سمائنا/على جواد الفجر كالصباحْ/أيقظنا من الخدرْ/مرّ بكفه فوق مواقع الجراحْ/قال لنا: أنتم بشرْ/كنا نسينا أننا بشرٍ/وأن شمسنا مشلولة الجناحْ/فاستيقظت سهولنا.. وانتفض القدرْ/على جبالنا المجنونة الرياحْ/يا إخوتي هل تذكرون حين مرّْ/كيف بكى حزناً على”بلقيس”و “بن ذي يزنْ”/ماتا فلم يضمهما قبرٌ ولم يسترهما كفنْ/كان على سفرْ/فثار واستقرْ/وصاح في الأطلال والدمنْ/ثوري.. تحرَّكي..فثارت الأحجار والشجرْ)
إنها البساطة الدافقة في لغة النص والعميقة في ذات الوقت: “قال لنا: أنتم بشرْ..كنا نسينا أننا بشرْ” وحسن الالتفات المُفضِي من ضمير الداعي إلى اعتراف المدعو بمدى تردِّيه في خرائب الواقع لولا صيحة الداع”ثوري.. تحرَّكي فثارت الأحجار والشجرْ
!!وثارت اليمنْ!!” إنها صيحة كرامةٍ أطلقتها “مصر” دعماً وإسناداً لشعوب”اليمن الشمالي والجنوبي والإمارات والعراق وسوريا وليبيا والجزائر” ورفرفت بيارق الحرية في سماء العرب!!
ما أشبه الليلة بالبارحة!!حين استكان”الشام”بعد موت قائده”نور الدين زنكي”وابنه “محمود” لأكثر من قرْنٍ ونصف، وتلفّت العرب عمّن يزيل الإمارات الصليبية التي كانت أشبه بخلايا سرطانية،وتقف في وجه حملات ملوك أوروبا يدعمها بابا”الڤاتيكان” قالت “مصر”كلمتها…فكانت”حطِّين” المستأصلة هذا الوباءَ!!
ما أشبه الليلة بالبارحة!!في نكبة “فلسطين”عام ثمانيةٍ وأربعين لولا الخيانة والتقاعس من بعض أولي الأمر لما كان لليهود موطأُ قَدمٍ حول أولى القبلتين وثالث الحرمين، وقالت”مصر”كلمتها…فكانت ملحمة السادس من أكتوبر،الآن لا بديل للدول العربية والإسلامية بل والإنسانية من دورٍ “مصر”، إنهم في مَسيسُ الحاجة لقبضة”مصر” تعيد للميزان اعتداله،وتمنع مغامرة المغامرين انطلاقاً من “غزة” للاستيلاء على أرض العرب وثروات العرب ومقدَّرات العرب..وأقسمُ ثلاثاً لولاها لانفرط عِقْدُ العروبة من عقودٍ، ورغم ما يعتري”مصر”من بعض القصور لا التقصير في أداء دورها فذلك أمرٌ خارجٌ عن إرادتها لما تحمله على عواتقها من جسيم المسؤولية…ليأتيَ ختام قصيدة”فوق ضريح عبد الناصر”للشاعر اليمنيِّ الكبير “عبد العزيز المُقالِح” اعترافاً دامغاً عمَّا أدته “مصر”في مساندة شعب اليمن للنهوض من ظلمات الجهل ورجعية حكم الإمامة…!! اعترافاً دامغاً لأفضال “مصر”وما بذلتْه من ميزانيتها لكل العرب رغم شديد حاجتها.. لكي يصمت الطاعنون فيما أدته”مصر”لمحيطها العربي، ويدرك أثرياء النفط أن القيادة الحقيقية وحجر الزاوية في الأمة العربية يكمن هنا وطناً وشعباً…أقول يأتي الختام مؤكداً أن دور مصر لا يتوقف بموت زعيمٍ،ففارس النهار في الضريح ينفض الجراح والغبار..، وفي غدٍ يستأنف المسارْ…!!/من جوف قبره يصيحْ/متابعاً بقية الحوارْ!أجَلْ…لم يفلح الموت في إيقاف مسيرة الحرية إذْ حشدتْها”مصر” فما أروعه ختاماً مفتوحاً لا تحده فاصلة،أو تُوقفه نقطةُ نهايةٍ…
(وثارت اليمنْ/تناثرت من حولها سجونُ “القات” والكهوفُ/تقاطرت من قبرها الألوفْ/والفارس الذي أيقظها ممتشقاً حسامَهْ/يضرب وجه الليل والإمامةْ ويسحق الأقزام والسيوفْ/وخلفَه..أمامَهُ.. تشتجر الأخطار والحتوفٔ/لا الليل..لا عواصف الشتاءْ/ولا زئير الرمل والجبالْ/تثني حوافر الجواد الممعِنِ التحليقَ في الفضاءْ/تهزُّ ذرةَ احتمالْ/عَبْرَ يقين الفارس المتَّشحِ الضياءْ/حتى تكسرت على طريقه النصالْ/واحترقت كهوف الليل والفناءْ/ولامَسَ الجبينُ الأسمر السماءْ/وبعد ألف رحلةٍ ورحلة انتصارْ/يعود للديار فارس النهارْ/يعود مُتعَباً ليستريحْ/لينفض الجراح والغبارْ/هنا على جوانب الضريحْ/وفي غدٍ يستأنف المسارْ…!!/من جوف قبره يصيحْ/متابعاً بقية الحوارْ).
الشاعر محمد الشربيني