وجهات نظر

الناقد أحمد فرحات يكتب: السلم والثعبان

الناقد أحمد فرحات

تدحرج حجرا النرد واصطدما على رقعة اللعب، فكان مجموع ما قرأه، ستة .

عند نقطة البداية، ودعته أمه بقبلة، بعد أن وضعت “جزء عم ” في كيسه النايلون، كن ولدا مطيعا واسمع كلام الشيخ.، هكذا قالت. خطا خطواته الست نحو السلم المؤدي إلى المسجد، هناك جلس شيخ وقور بلحية بيضاء، وحوله أطفال دائبون على حفظ القرآن، انضم ليكمل الحلقة، كان نبيها، وسريع الحفظ، أخذ الشيخ يكافئه بتربيته على رأسه وكيس من التمر أحيانا، وفيما بعد كان پربت على كتفه وقد يهدیه قارورة من عسل، ومن شدة إعجابه أصبح يربت على فخذه، ويميزه بأن يدعوه إلى حجرته خلف المحراب ليريه كنوز الكتب. هذه الحفاوة ملأت قلبه سرورا، ونشوة، وذات ظهيرة، دعاه شيخه للحجرة الخلفية، أغلق الباب. اقترب منه، احتضنه، وهنا رأي شيخه وقد استحال ثعبانا بعمامة، ارتحف، لكن الثعبان عصره، حطم عظامه، ثم لدغه لدغته المسمومة.

في قاع الهاوية سقط مشوشا يرتحف، أيقظه من غيبوبته صوت ارتطام الحجرين على الرقعة. تقدم سبع خطوات دون أن ينظر للوراء، جسده بالكاد يحمل قدميه، يداه تقبضان بشدة على ثيابه وكأن كل الأيادي تريد انتزاعها من عليه، ودموع حرى تحرق وجنتيه، والكثير من الصور تتحطم في عينيه،

اعتصره الثعبان ذو العضلات، أحس وكأن الغرفة تدور حوله، والكؤوس تتساقط من رفوفها على الأرض مصدرة صوت تحطم كبريائه. وثقت الكاميرا المدسوسة بين دروع التكريم خيبته.، علق في دائرة الابتزاز، تنقل الفيديو المصور بين ثعابين أخرى، وهكذا أصبح يدور في حلقة مغلقة، تتلقفه الثعابين، ومع ازدیاد خشيته من انکشاف أمره، تتسع هذه الحلقة بدخول ثعبان جدید. .

تدحرج الحجران بعيدا وغابا خارج الرقعة، أخيرا كان السلم الصعب خیاره، في كل خطوة صعدها كان سوط اللوم يلهب ظهره ويعلم في روحه، ومع كل خطوة للأعلى كان شرفه ينزلق إلى هاوية الفضيحة. عندما وصل رأي عدالة خرساء، وميزانا أعوج، ووجد على كرسي القانون ثعبانا بنام على كتفه نسر وبضع نجوم.

انتقت د. صوفيا الهدار من قضايا المجتمع قضية السقوط في براثن الشذوذ، أو ما يعرف بالبيدوفيليا(الغلمانية) ومن خلاله الدعوة إلى فضح الجاني بدأت تنسج خيوط القضية عبر لعبة السلم والثعبان المعروفة عند الصغار، النرد يشير إلى سن الغلام، والرقعة تشير إلى فضاء محدود، غالبا يكون مغلقا، ليشبه رقعة السلم والثعبان، والسلم هو مراكز ومؤسسات المجتمع، سواء كان مسجدا أو مدرسة أو صالة تقوية العضلات، أو محكمة أو مركز شرطة أو… وكلها أماكن يمر الطفل منذ السادسة من عمره بها حتى يكبر. تبدأ الأم بمباركة الغلام وتحصينه ببعض آيات القرآن الكريم، ويذهب الغلام إلى كتاب القرية، ليجد الشيخ ثعبانا يلتهم الغلام ويقسو عليه، يقاوم الغلام ويذهب إلى المدرسة ليجد ثعبان الطلبة الأكبر منه سنا، وهكذا حتى يصل إلى كل مكان في فضائه الحيزي.

القصة برمتها وليدة فكر سردي تمرس على التميز في التناول، ففي كل قصة من قصص د. صوفيا تجد جديدا في التناول والرؤية والإستراتيجيا. ففي قصة السلم والثعبان استخدمت تقنية اللعبة المعروفة، وزاوجت بين عمر الغلام ومكانه ووقت الوقوع في الهاوية، وهي تقنية فريدة في توظيفها فنيا.

لم تحمل الكاتبة الطفل ولا الأسرة المسؤولية، بل اتجهت إلى المجتمع باختلاف مشاربه وأطيافه، فشيخ الكتاب ثعبان، وطلاب المدارس قعابين، ومدرب الصالات ثعبان، والمحامي والقاضي والضابط ووو ثعابين تلتهم فريستها دون رحمة، وكلها أصوات شخصيات بلا مسميات، لكنها اكتفت بالمهنة، وهي الأهم، تعدد الأصوات أضفى على القصة شيئا من التنوع والاختلاف لبيان انتشار الظاهرة في المجتمع.

ومن قبل، وفي أدبنا العربي خاصة، سجل أبو نواس وشعراء العصر العباسي هذه الظاهرة كبديل للمرأة والتغزل فيها، وأرجع الباحثون في الشعر العباسي الظاهرة إلى معاناة أبي نواس النفسية، وغدت معلما كبيرا من معالم أدبنا العربي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى