هبة عبد الوهاب تكتب: غطرسة الكيانات، وتاريخ الخيانات

هبة عبد الوهاب
عُرف اليهود عبر التاريخ بالغدر والخيانة، خاصة في الأوقات التي تُقدَّس عند المسلمين. فمنذ العصور الإسلامية الأولى، سطّروا مواقف مشينة من الخداع والانقلاب على العهود، مستغلين المناسبات الدينية لتنفيذ مكائدهم. وهذا الغدر ليس مجرد أحداث عابرة، بل سلوك متجذر في تاريخهم. ومن أشهرها:
غدر بني قينقاع عام (2 هـ) بعد غزوة بدر، وخيانة بني النضير عام (4 هـ)، ودبروا مؤامرة لاغتيال النبي ﷺ، رغم عهدهم السابق بعدم الاعتداء.. وفي غزوة الأحزاب عام (5 هـ) انضم بني قريظةإلى الكفار، محاولين القضاء على الإسلام من الداخل، في وقت كان المسلمون محاصرون حينها.
ولأن الغدر طباع لا تتغير بمرور الزمن، عرفنا غدر اليهود في العصور الحديثة، واستمر:
فجاءت المجازر في فلسطين أيام الاحتفالات والأعياد؛ مثل مجزرة الحرم الإبراهيمي (1994)، التي وقعت في صلاة الفجر في شهر رمضان، حيث فتح مستوطن النار على المصلين، مما أسفر عن عشرات الشهداء.
وتوالى العدوان على غزة في الأعياد الإسلامية لتنفيذ عمليات القصف والاعتقالات، كما حدث في عدة مناسبات، منها قصف غزة خلال عيد الفطر عام 2021، والذي أدى إلى سقوط عشرات الشهداء، بينهم أطفال ونساء وازدادت الاعتداءات على المسجد الأقصى والاقتحامات الصهيونية، وكذلك تم منع المصلين من أداء صلواتهم، والاعتداء عليهم بالرصاص والغاز المسيل للدموع. وبات منهجهم استغلال الأجواء السلمية حيث ينشغل المسلمون بالعبادة والاحتفال، مما يجعلهم أقل استعدادًا للدفاع عن أنفسهم.
ويقينا هناك الكثير من الرسائل النفسية التي يريد الاحتلال توجيهها، مثل كسر معنويات المسلمين واستهداف فرحتهم، فهي سياسة مقصودة لإحباط أي استقرار أو سعادة في المجتمع الإسلامي. وتكرار هذا يؤكد أن عهودهم لا تُحترم، ومواثيقهم لا تُؤمن. ومن يتتبع التاريخ يجد أن هذه الخيانة مستمرة، مما يؤكد ضرورة وعي المسلمين بهذا العدو الغادر، وعدم الركون إلى وعوده الكاذبة.
إذن لماذا يأمن العرب غدر اليهود؟
رغم التاريخ الطويل من الغدر والخيانة لدى اليهود، نجد أن بعض الأنظمة العربية وبعض الشعوب لا تزال تُحسن الظن بهم وتتعامل معهم وكأنهم أهل عهود ومواثيق. جاء هذا بسبب:
ضعف الذاكرة التاريخية، خاصة الأجيال الجديدة، الذين يعانون من ضعف الوعي بالتاريخ. فلم يعد يُدرس التاريخ الإسلامي أو الصراعات العربية-الصهيونية بالشكل الذي يُظهر حقيقة اليهود وأساليبهم. بل إن بعض المناهج التعليمية في الدول العربية أصبحت تتجاهل تمامًا الحديث عن جرائم الاحتلال، مما يجعل الشباب غير مدركين لخطرهم.
وفي المقابل جاء تأثير الإعلام الموجّه
الإعلام العربي – في معظمه – أصبح خاضعًا لضغوط سياسية واقتصادية، وهو يسوّق لفكرة “السلام” والتطبيع مع اليهود وكأنها هي الحل الوحيد. وكذلك يتم تصوير اليهود كـ”شركاء سلام”، بينما يُشيطن المقاومون ويتم وصفهم بـ”المتطرفين”، مما يؤدي إلى تغيير نظرة بعض العرب تجاههم.
ولا ننسى الأنظمة السياسية والمصالح الاقتصادية التي وجدت في التعاون مع اليهود فرصة لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية. لذلك، بدأت بعض الدول بتوقيع اتفاقيات تطبيع، متناسية أن اليهود لا يلتزمون بالعهود وأنهم طالما غدروا حتى بحلفائهم.
كما أن الخوف من القوى الغربية له دورا لا يمكن تجاهله، لأن الكيان الصهيوني مدعوم بالكامل من الدول الكبرى، وهذا الدعم يجعل بعض الدول العربية تخشى الدخول في مواجهة مباشرة معه، أو اتخاذ موقف صارم ضده، خوفًا من العقوبات الاقتصادية أو السياسية. التضليل الديني والثقافي مثل ترويج أن اليهود أهل كتاب ولا يجوز معاداتهم.
وأن من يواجههم “إرهابي” وليس مقاومًا لسفالاتهم.. كل هذه الأفكار تُزرع في عقول العرب لإضعاف موقفهم ضد الاحتلال.
كما أن الانقسامات العربية الداخلية، سواء على مستوى الدول أو حتى داخل الشعوب، والحروب الأهلية تجعل من الصعب تبني موقف موحد ضد الاحتلال.
فالعرب يأمنون غدر اليهود ليس لأنهم يجهلون حقيقتهم، ولكن بسبب الجهل بالتاريخ، والتضليل الإعلامي، والضغوط السياسية والاقتصادية. لكن الواقع والتاريخ يثبتان أن اليهود لا عهد لهم، ومن يثق بهم فلن يحصد سوى الخيانة والغدر، كما حدث مع كل من تعامل معهم عبر الزمن.